إن الحكاية وسيط لتوصيل التجربة وربط ووصل الأحداث والأفعال التي تصور واقع الحياة وما فيها من تضاد، كما تصور القهر والظلم وغياب العدالة، ثم تأتي بالمنقذ البطل ليعيد الصورة إلى ما ينبغي أن تكون عليه حياة الإنسان. وفي أحيان كثيرة تستمد زخرفها من ممارسات ومعتقدات،
ومن ظواهر أخرى طبيعية وغيبية من الصعب تفسيرها.
ومن الحكايات الشعبية الإماراتية حكاية – عليا الهلالية – التي روتها السيدة سلامة بنت راشد البلوشي – من مدينة العين، تاريخ المقابلة 19/2/2007، وقد تمت مقابلتها في بيتها في منطقة هيلي بمدينة العين.
موجز الحكاية:
حيث نشأت عليا الهلالية في بيئة بدوية، وكانت فتاة رائعة الجمال تحب الشعر والفروسية وكان لها أخ يدعى "سالم" مُتصفاً بالشجاعة والفروسية والذكاء، ومشهور بأنانيته ونرجسيته. تزوجت علياء من أحد رجال الحي ودعت ربها أن تنجب ولداً يمتلك صفات أخيها سالم. استجاب المولى لدعائها وأنجبت ثلاث أولاد وثلاث بنات. كبر الأولاد وفي إحدى أسفار سالم ومغامراته طلب من شقيقته أن يصطحب أحد أبنائها في رحلة، وبعد تردد أرسلت معه ولدها الكبير الذي امتحن سالم ذكاءه فوجده دون المستوى وكذلك الحال حين أرسلت معه ولدها الثاني.
ألحّ على شقيقته أن ترسل معه ولدها الأصغر الذي أثبت شجاعة وذكاءً نادرين خلال الرحلة أثارتا أنانية سالم ودفعته إلى فكرة التخلص من ابن شقيقته حتى لا يكون منافساً له في المستقبل. وبالفعل جعله ينزل داخل بئر مهجور ملأى بالأفاعي التي لدغته ومات متأثراً بسمها. عاد سالم أدراجه بعد أن دفن ابن شقيقته وأوصى ملاّحاً مر به أن يذهب إلى ديرة عليا ويقول لها: عندي من الخبر عن هذين الاثنين، تغيب واحد وما بقي إلا "أشمط الرأس شايب" وحين أبلغ الملاح عليا بذلك صُعقت من شدة الحزن والألم وفقدت أعصابها وكسرت ساق الملاح، ودثرت خادمها من على سطح البيت فهوى ميتاً. وحين وصل سالم أخبر البنت الكبرى أن أخاها عزيز في سوق البصرة يبيع ويشتري، واللي يطول الغياب ياب الغنايم.
صدّقت البنت الكبرى وكذلك الوسطى إلا أن ذلك لم يَنْطل على الصغرى التي صاحت قائلة "والله يا خالي لو عزيز حي بتأتيني البشاير عند الطيور الطائرة، إلا عزيز ذاريه عليه الهبايب" وكان عزيز قد كتب على سرج الناقة أبياتاً شعرية كثيراً ما رددها أهل الحي:
طاحت دلو الهلالي يوم اليذايبا عقد لها المزروبي وما عوّل بالربا
بطّه حنيش صايب غرّز نوايبا يوم أردفه جدامه دمعت سكايبا
طاحت عصاتي وخرّت بين الروايبا عقروا علي القودا سبوقن في المدى
وسيفي سوى صقايل مسنون ماحلا دفنوني في ديرةٍ قفرية فيها البوم يحدي
تعليق تحليلي:
وهذه الحكاية من نمط الأدب الشعبي المتداول شفاهياً في مجتمعنا ونرى فيها الصفات البدوية الأصيلة التي يتغنى بها الفرسان الشجعان. وكذلك فقد حملت هذه الحكاية نموذجاً لامرأة بدوية عاشت في كنف قبيلتها على حب الفروسية والمغامرات. وفي هذا السياق تبرز شخصية سالم في مَنْحى غير محمود حيث سيطرت عليه أنانيته وحبه لذاته فقط فارتكب جريمته النكراء بحق "عزيز" ابن شقيقته. كما أن هذه الحكاية تناقلتها أجيال في بلدان عربية مشابهة كانت القبيلة البدوية فيها أساس المجتمع. وقلّما ترد مثلها في الأدب الشعبي للدول الأوروبية والأجنبية