الى الخلف
detail banner

صحوة

detail banner
نُشرت هذه المقالة في كتالوج معرض "صحوة" الذي أصدرته صالة عرض الخط الثالث، مايو 2020.

بقلم سارة كولينز
قيم فني أول، دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي


"صحوة" هي مجموعة من الصور الفوتوغرافية للفنانة الإماراتية لمياء قرقاش عُرضت للمرة الأولى خلال دورة "فن أبوظبي" عام 2019 ضمن معرض "بوابة: قصص من الماضي والحاضر" للقيّم الفني باولو كولومبو الذي تضمن قطعاً أثرية وإثنوغرافية من متحف العين إضافة إلى أعمال فنية معاصرة. إن الهدف من عرض الأعمال الفنية الحديثة أو المعاصرة مع القطع الفنية القديمة إلى تبني وسيلة جذابة تسعى إلى التغلب على التحدي التنظيمي المتمثل في جعل زوار المعارض يشعرون بوجود صلة تربط حياتهم اليوم بالقطع الفنية التاريخية.

sahwa-01



ففي معرض "بوابة"، أسهمت صور "صحوة" في تشكيل صلة توضيحية مباشرة ومرئية بين مقتنيات المتحف وممارسات الفن المعاصر ضمن السعي إلى تعزيز الرؤية السردية الشاملة للمعرض. وهذا لا يعني أن هذه الصور لاقت أفضل تقدير في سياق هذا المعرض، ولكنها في الواقع جميلة إذ لا تقتصر أهميتها بالنسبة إلى لمياء في تصور قصصها وعملها الفني فحسب، وإنما في كونها قادرة على تحقيق التواصل مع الزوار حيثما عُرضت. ويتمثل الهدف هنا في تقديم بعض المعلومات حول الموضوعات التي يمكن رؤيتها في هذه الصور، وسبب كون محتواها استثنائياً. .



يقع متحف العين، الذي شُيّد بتوجيهات من المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، طيّب الله ثراه، ضمن الموقع المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في العين. ومنذ افتتاحه في 30 نوفمبر 1971، يبذل القائمون على المتحف جهوداً حثيثة في حفظ التاريخ الإنساني في أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة وعرضه للجمهور. واليوم يشهد المتحف تجديداً وعمليات توسيع، بينما تخضع القطع الأثرية المختارة للعرض مستقبلاً للصيانة والحفظ خلال فترة الإغلاق. sahwa-02


تشكل صور لمياء قرقاش توثيقاً لهذه المرحلة المؤقتة والمخصصة من مشروع تجديد وتطوير متحف العين، حيث تحولت غرفة معيشة في فيلا خاصة كبيرة في العين إلى مختبر مؤقت للحفظ. وكانت القطع الأثرية المعروضة في معرض "بوابة" من ضمن القطع الأولى التي تم حفظها في ذلك المختبر قبل تسليم معدات وتجهيزات إضافية. للوهلة الأولى قد لا يكون ذلك الوقت ملائماً لالتقاط صور من "وراء الكواليس" لأعمال المتحف المخصصة للعرض أمام الجمهور، إلا أن الأمر كان مثالياً، وعن غير قصد، لتوثيق هذا المكان غير الاعتيادي لإجراء أعمال الحفظ من خلال عدسة لمياء التي يحركها شغفها الكبير نحو توثيق الأماكن.


تتمثل مهام المتحف الرئيسية في حفظ القطع الأثرية وضمان سلامتها وديمومتها للمستقبل. وعليه، فإن حفظ القطع الفنية نادراً ما يكون محور التركيز السردي في الفن المعاصر.


ولأسباب عديدة، ليس أقلها سلامة المقتنيات، لا يتم عرض أعمال مسؤولي عمليات الحفظ خلال إعداد وتجهيز القطع الأثرية للعرض على الجمهور. ويمثل التصوير الفوتوغرافي جانباً مهماً في توثيق عملية الحفظ، وتصبح الصور التي يلتقطها مسؤولو عمليات الحفظ جزءاً من "السجل الدائم" أو أرشيف تاريخ القطعة الفنية عبر الزمن. وتسهم لمياء قرقاش في ذلك أيضاً من خلال صورها الفوتوغرافية التي توثق أعمال الأشخاص المعنيين بحفظ التاريخ. فقد أبرزت صور "صحوة" الأدوات اليومية لمسؤولي الحفظ، مثل المجهر، والقوارير، والأواني، والمشارط، والمقصّات والفُرش، كما لو كانت تذكرنا بأن هذه الأدوات أيضاً ستكون ذات يوم قطعاً أثرية تاريخية تحتاج إلى حفظ.


sahwa-03

كانت الأواني الخزفية والقطع المعدنية التي يعود تاريخها إلى أوائل القرن العشرين وحتى منتصفه تخضع لعملية ترميم عندما التُقطت صور "صحوة". وكانت بعض القطع الإثنوغرافية في مستودع المقتنيات على وشك العرض لأول مرة. وعُرض البعض الآخر في متحف العين منذ ما يقرب من خمسين عاماً، وهي بحاجة إلى إجراء عملية ترميم. تكشف الصور الفوتوغرافية عن حافظات مياه بزخارف هندسية، وأقلام غمس فضية، ووعاء نحاسي مع محبرة، وأساور فضية ذات رؤوس حادة. كما توجد قطعتان من الحلي: قلادة بعملات معدنية، وحِرز من القرآن، إضافة إلى غطاء رأس فضي مزخرف، يمكن رؤية معظمها بشكل جزئي مغطى بمناديل ورقية واقية (دون عنوان 4 و5).


كان رأس مجسم العرض اللافت للنظر عبارة عن حامل لتثبيت غطاء الرأس الفضي عندما عُرض في متحف العين. وقد كانت تلك المجسمات المصنوعة من الجص الملون، والتي معظمها مثبتاً بالحجم الكامل في وضعية مناسبة للمهمة، محور العديد من قصص السرد "التراثية" التي استمع لها زوار المتحف. وقد عفا الزمن على هذا الأسلوب، ولا يمكن الاتكال عليه كوسيلة مفيدة للشرح، لذلك فالتصاميم الحديثة للمتاحف العصرية لا تتبناه بتاتاً ليصبح في زوال تدريجي. وقد أُضفي طابعٌ إنساني على رأس العارضة خلال عملية الحفظ من خلال وضع ملصق يحمل اسم "موزة"، ربما كتبه صانعها. وفي الصور الفوتوغرافية "صحوة"، كانت "موزة" هي نجمة العرض. وبغض النظر عن كونها مجرد حامل لغطاء الرأس أو دليل على تاريخ علم المتاحف، فقد حظيت بتقدير الجمهور وترحيبه. ومن الناحية الفنية، تبرز قوة مذهلة في مهارة لمياء قادر على جذب الانتباه، وإبراز القِيم وسرد التاريخ من خلال أعمالها الفنية.