كانت تنشط قديماً في بداية فصل الصيف حركة السفر والترحال من أجل المقيظ أي "الانتقال من المناطق الحارة إلى المناطق الباردة " ولكن في وقتنا الحاضر لم تعد رحلة المقيظ إلا ذكرى ما زالت حاضرة بقوة في ذاكرة الأجداد والآباء.
وكانت هذه الرحلة تساعد على انتعاش عدد كبير من المهن المرتبطة بها والتي من أهمها مهنة "الكري" (1) وهو صاحب ومؤجر الإبل وتعتبر مصدر دخلهم الوحيد. وجمعها كريان(2)، حيث يقوم الكري بحمل أمتعة الأهالي "لكشار" على بعيره وهو يردد أهزوجته "يو دعية يود عياني" ويمر بطرق إلى أن يصل إلى المكان المقصود حيث ينزل أمتعة الأهالي "لكشار" قبل وصولهم بيوم.(3)
يتزامن هذا مع الوقت الذي يشد الرجال أشرعة السفن للدخول إلى البحر والغوص في أعماق الهيرات بحثا عن اللؤلؤ، وفي ذات الوقت تتولى النساء أمر رحلة المقيظ ويتفقن مع الكري على موعد ومسار الرحلة . (4)
ومن المعروف أن مسارات رحلة المقيظ هي دروب صحراوية سالكة تعارف عليها الحضار (أهل الساحل) وتتوفر بها المياه وأماكن الراحة فكانت معروفة للكري، ولحدوة المكاري وسط الصحاري شجن يحرك وجدان الإنسان وقلوب الجمال فعندما يصدح المكاري بأعلى صوته يستأنس المسافرون في المكان وتدخل لقلوبهم الألفة.
كما أن الكري لديه إلمام كامل بالطرق المؤدية إلى المقايظ رغم كثرتها وتعددها سواء في مقايظ المناطق الجبلية برأس الخيمة مثل خت وغليلة والحيل ومعيريض وشعم بالإضافة إلى دبا ومسافي في المنطقة الشرقية ومناطق الساحل الشرقي الممتد من كلبا جنوبا وحتى دبا شمالاً وفي الداخل بين السهول الممتدة من العين جنوبا وحتى رأس الخيمة شمالاً مروراً بمسافي والذيد وفلج المعلا وحتا ومصفوت وخصب والباطنة والبريمي بالإضافة إلى واحات العين وليوا التي كانت لها شهرة واسعة بين الأهالي قديماً، يرتحلون إليها من كل حدب وصوب خاصة سكان أبوظبي ودبي.
وكان الكريان قديماً في منطقة العين ينتظرون موسم القيظ بفارغ الصبر لينطلقوا مع بداية الموسم في مجموعات من العين إلى الساحل لإحضار الحضار، والحضار هم أهل الساحل الذين يرغبون في قضاء فترة الصيف في العين بحيث تتكون كل مجموعة من ثلاثة أو أربعة كريان كل كري معه عدد من المطايا (الإبل) وتستغرق رحلتهم ثلاثة أيام ويعود معهم الحضار إلى واحات العين التي يتوافر فيها الرطب والهمبا"المانجو" والماء العذب وتقيظ العائلات مع بعضها وأهل النخل يخرفون /يجنون ثمار الرطب/ ويتسامرون ويقرضون الشعر وتتعمق العلاقات بينهم مع العلم أن غالبيتهم من أهل أبوظبي والجميرا. وكانت أجرة الكري ثلاث روبيات ثم ارتفعت لتصل إلى عشر روبيات.