تنتشر محلات الحدادة في سوق منطقة مصفح في أبوظبي، كما تنتشر وتتركز في المناطق الصناعية في أطراف مدن كل إمارة، وذلك لاكتظاظ وسط المدن بالمؤسسات والشركات التجارية. وقد استطاعت الحدادة كحرفة أن تحافظ على مكانتها وأصالتها، وذلك بفضل الإصرار على تداولها، وتزايد الطلب على منتجاتها، مما حدا بالحدادين إلى تجويد الصنعة، والاهتمام بتوريثها للأبناء.
وتعتبر حرفة الحدادة من الحرف الشاقة، إذ إن صاحبها في مواجهة مستمرة مع الحديد والنار، لذلك فإن ممارستها التقليدية تحتاج إلى الصبر والجلد، علاوة على أنها تحتاج موهبة ومهارة فنية، وخيالاً واسعاً لتحوير وتشكيل الأدوات الضرورية المختلفة، كما أن هناك كثيراً من الأعمال اليدوية التي تعتمد اعتمادا كلياً على منتجات الحدادة مثل هندسة المباني، والنجارة، والزراعة وغيرها، فالزراعة مثلاً لابد لممارستها من توفر المناجل والفؤوس والمحشات التي تُستخدم لقطع المزروعات، وكذلك العقفة التي تُستخدم لإزالة كرب النخيل، والهيب وهو عمود من الحديد مبروم، يُستخدم أساساً لحفر أو هدم الأرض...وغيرها، كما تُنتج حرفة الحدادة العديد من الأدوات التي تستخدم في البناء التقليدي، كرأس المطرقة، والملزمة.
ولصناعة السفن تسهم الحدادة في الحصول على الهلب والباورة، وللحصول على منتجات الحدادة يوضع قضيب أو صفيح من الحديد داخل فرن النار حتى يصل درجة الإحمرار، ثم يسحب من النار ويدق ويطرق على السندان، حتى يأخذ الشكل المطلوب، بعدها تأتي عملية التلميع والفرك بالرمل والماء ليكتسب اللون الفضي. وهذا ينطبق على كثير من الأدوات الحديدية الأخرى، التي ينتجها الحداد، خاصة التي تُستخدم في المنازل مثل المحماس والدلال، والقدور والصواني والصحون والملاعق .. وغيرها من الأدوات والمستلزمات التي تُستخدم في المجالات المختلفة.
ومن الجدير بالذكر أن الحدّاد لا يستغنى عن معدن الحديد، والنار التي يوقدها من الفحم النباتي في (كور النار) وهو عبارة عن فرن خاص تصل درجة الحرارة فيه حتى درجة انصهار الحديد، وعادة ما يُوضع في مكان مخصص في المكان المعد للحدادة.
ولابد للحداد من معدات خاصةيستخدمها في حرفته من بينها : الكير وهو منفاخ يدوي يُصنع من الجلد القوي ينفخ به الحداد في النار لرفع درجة الحرارة، وكلما بدأت النار في الخمود حرك الحداد المروحة التي تنفخ الكير
ويبدأ الحداد عمله عادة بوضع قطعة من الحديد على النار حتى يحمر لونها، بعد ذلك تصير لينة وطرية، وذلك ليسهل تشكيلها، ثم بواسطة الكالوب، وهو عبارة عن زردية ذات مقبض طويل تستخدم في تحريك المواد الساخنة، يلتقط قطعة الحديد المحمرة من شدة الحرارة، ويضعها على السندان الذي يمثل كتلة من الفولاذ مثبتة في الأرض، يوضع عليها الحديد أثناء طرقه، ثم يطرقها طرقا شديدا بمطرقة قوية، ثم يضغطها، ويعيدها من جديد إلى النار ثم يرفعها وينظفها ويطرقها مرات، فإذا كانت الأداة تحتاج إلى ترقيق، تسحل بالمبرد الحديدي، وإذا كانت تحتاج إلى أسنان تسحل أيضا لعمل الأسنان التي تحتاج إلى شرخ وضغط وهكذا، ثم تشرَّب قطعة الحديد بالماء لتكون باردة، ثم تشعل النار مرة أخرى، وينفخ على الجمر حتى يصير جمراً أحمراً بالكامل، حينئذ توضع القطعة حتى تحمر، وتوضع على السندان وتبدأ عملية الضرب عليها بالمطرقة، وباستخدام السكين والمقص يتم تشكيل القطعة المطلوبة وعادة ما يتكون معمل الحداد من حفرتين، يبلغ عمق كل منهما 3 أقدام تقريباً، حيث يقف الحداد أمام أحد الحفر، ويقف مساعده مواجها له أمام الحفرة المقابلة ويقوما بتشكيل الحديد ومطه أحياناً وطرقه مرات على السندان أحياناً أخرى، حتى ينتهيا من العمل المراد تصنيعه. كما أن من المهام الموكلة للمساعد، النفخ في الكير بين الحين والآخر، وهو ممسك بالقطعة الحارة المراد طرقها وتشكيلها.