اعتمدت المراسلات قديماً على المشافهة، حيث كانت المخاطبات شفهية والرسائل قصيرة ومواضيعها محددة تعتمد من حيث الإطالة أو الاختصار على براعة ناقلها في اختيار التوقيت المناسب لتقديم الرسالة التي يحملها والمصطلحات اللغوية أيضاً لتبليغ المرسل إليه وفقاً لمضمونها ومناسبتها و يطلق على حاملها مسمى الطارش وهو بمثابة ساعي البريد في العصر الحديث.
ففي لهجتنا العامية يطلق مصطلح الطارش على الرسول الذي يُرسل لتبليغ أمر ما أو إيصال غرض معين لشخص أخر، ومن الشائع قولهم :"إن شاء الله الطارش طارش خير" أي لعل هذا المبعوث مبعوث خير فهم يستبشرون بأن حامل الرسالة يحمل خبراً ساراً.
وقد ورد ذكر الطارش في قصائد الشعراء بمختلف ألوانها ، ومنهم الشاعرة المياسة النديب حيث قالت :
قم يا نديبي شد واعتد وأوصل جدا راعي الدعيات وتقول شاعرة أخرى:
يا طارشي بندب سوالي جدوى الذي بالحال معلوم
لي شط حالي واستوالي حبه وسط لفؤاد مرسوم
والطارش مهنة من المهن الموسمية الضرورية في الماضي يقوم بها أشخاص لإيصال الرسائل إلى داخل أو خارج البلاد ، وأحياناً يُطلب منه توصيل بعض الأخبار الشفوية أو إبلاغ أصحابه بأية أخبار، سواء كانت مفرحة و محزنة أو مفاجئة أو أي نوع آخر.
ويؤكد الرواة بأن الطارش ينقل الأخبار و الأدوات بصفة شخصية، ويحمل الرسائل الخطية أو الشفوية أو قصائد شعرية أو أدوات أخرى تحتاج للثقة والأمانة لإيصالها. ويستخدم الطارش وسائل لحفظ مايحمله فإذا كانت رسالة خطية أو أداة أومادة ما استعمل الحافظة أو كيس خاص يعرف باللهجة العامية بالخريطة لحفظها حتى تصل لوجهتها، ولتنقله من مكان لآخر فإنه يسير على قدميه أويركب الإبل أو الخيول أو الحمير وهي الوسائل المتاحة في الماضي. كما يطلق على الطارش أحياناً لقب المندوب أيضاً، ويجب أن يتمتع بالأمانة واللباقة والأخلاق، ومن الممكن أن يتقاضى أجراً عن هذا حسب الجهة التي أرسلته ، ولكن بشكل عام كان الأمر يتم وفق ماهو متعارف عليه من تعاون بين أفراد المجتمع ، وقد كتب الشاعر عبد الرحمن بن نعمان في ذلك هذه الآبيات:
يا طارشي على الرنج وأنته سايقه
شل الكتاب وسير صوب أرحامي
ومن الأمثال المتداولة بين الناس: " الطّارش المحدثاني يِغْني عن الكَتّيبْ "، وهذا المثل يؤكد على أهمية بلاغة الطارش وبراعته في الكلام وقدرته على انتقاء الألفاظ القوية المؤثرة التي تخدم الهدف الذي جاء به فهو بهذا أفضل من رسالة يكتبها كاتب بارع لأنها تعرض جانباً واحد اً ووجهة نظر واحدة فقط ، بينما الطارش يستخدم أساليب عدة منها انتقاء الألفاظ المناسبة حسب طبيعة الشخص المرسل إليه ، كذلك طريقة الوقوف والجلوس أمامه ،و الفراسة في استخدام البصر وإيماءات الجسد حسب طبيعة الشخص المقابل.